أسامة داود يروى بالوقائع : 3 ساعات فى مستشفي "الغلابة" ( 2 )

> هنا يتم إجراء جراحات مجانية رغم أن تكلفة الواحدة تبلغ مئات الآلاف من الجنيهات هذه أوجاع المرضى النائمين فى الطرقات

>> قسم جراحة المخ والاعصاب بمستشفى الدمرداش أشبه بميدان معارك لإنقاذ حياة الآلاف من فقراء مصر

>> الأطباء يقاتلون في ظروف صعبة وسط حشود من المرضى وذويهم

>> كيف كان حال فقراء مصر عندما يمرضون إن لم يكن هناك هذا المستشفى؟ 

>> القادرون مطالبون بتحديث الأجهزة المتقادمة لمضاعفة عدد الجراحات

>> يستقبل 2000 متردد شهريا تتطلب حالاتهم جراحات دقيقة

>> قطاع الصحة بمصر لم ينشئ عبر ربع قرن مستشفى جديدا يعالج بالمجان

تحول قسم جراحة المخ والاعصاب بمستشفى الدمرداش بشكل دائم الى ميدان معارك لإنقاذ حياة الآلاف من فقراء مصر الذين لا يخضعون الى أي مظلة علاجية.. أطفال وشباب وشيوخ يئنون بفعل أوجاع أمراض تعصف بالجهاز العصبى والمخ والعمود الفقرى وغيرها وبإمكانات محدودة ميدان المعارك عبارة عن 4 غرف جراحات مزودة بأجهزة تحتاج الى تجديدها ومضاعفة أعدادها.. بجانب غرف الجراحات المشتركة مع الحوادث. و52 سريرا بعدد من الغرف بالدورين الأول والثانى من مبنى الدمرداش الذى مر على انشائه اكثر من 75 عامًا ويحتاج الى تجديد.. في ظل محدودية ميزانية مستشفيات عين شمس التي تعمل في الشق الجراحى والعلاجى بينما دورها الاساسى هو البحث العلمى والتدريب. وعبر غرفة لا تتجاوز مساحتها 10 أمتار مربعة بها مقاعد متواضعة تلتف مع حوائطها المتقادم دهاناتها وفى الصدارة مكتب أشد تواضعا داخله رئيس القسم وتتحول الى غرفة عمليات لمناقشة أحوال أوجاع الآلاف من هنا تنطلق خطط توظيف الإمكانات المتاحة والتي تسخر بحرفية العلماء وبوطنية الجندى وبإيمان الناسك لتمسك أيديهم بتلك الأدوات في تحد بهدف عودة الحركة الى حياة أكثر من 100 مريض شهريا من إجمالى 2000 متردد تتطلب حالاتهم جراحات دقيقة القسم يضم 78عضو هيئة تدريس بداية من مدرس الى درجة أستاذ بجانب حوالى 40 طبيب متدرب من مدرسين مساعدين وأطباء مقيمين ووافدين من جامعات أخرى ومراكز طبية من داخل وخارج مصر، وفى ظل الإمكانات المتاحة ينجح القسم في انجاز هذا العدد وعبر أخطر الجراحات وبالمجان ، منها جراحات أورام المخ و الحبل الشوكى، جراحات العمود الفقرى، جراحات قاع الجمجمة، جراحات الاوعية الدماغية، جراحات نزيف المخ، جراحات إصابات الرأس، اصلاح التشوهات الخلقية، جراحات مناظير المخ، والعمود الفقرى. تلك جراحات تتكلف كل منها مئات الآلاف من الجنيهات إذا ما أجريت في المستشفيات الخاصة التي يتحول المواطن مجرد سلعة.. ويلعب قسم جراحات المخ والاعصاب في الدمرداش عدة أدوار يجمع فيهما بين البحث العلمى وهو دوره الاساسى والجراحات ، في ظل انزواء قطاع الصحة الذى لم ينشئ عبر اكثر من ربع قرن مستشفى جديد يعالج الناس بالمجان. جراحات المخ والاعصاب بمستشفيات الدمرداش التابعة لجامعة عين شمس تحتاج الى تأهيل ملحق مبنى لاقامة أطباء يتناوبون العمل ليل نهار لاستقبال والتعامل مع المرضى بداية من استقبالهم بالطوارئ ومواجهة السكتات الدماغية ونزيف المخ وحوادث لاحصر لها. وجميع الحالات يتطلب اسعافها ساعات طويلة لانجاز مهمة إعادة الحياة لتلك الانفس التي أصابها العجز نتيجة جلطات في المخ او تصدعات في بنيانها من خلال إصابات العمود الفقرى او الغضاريف والحبل الشوكى وهى التي تنتقل بالمصابين الى قائمة الموت البطئ.. ويكون من الصعب ان تعيش حياتها الطبيعية دون ذلك الفريق المقاتل.. وهنا يكون علينا ان يتكفل القادرون في مجتمعنا بتحديث الأجهزة المتقادمة وتوفير أجهزة حديثة تساعد ذلك الفريق المقاتل في مضاعفة عدد الجراحات.

رحلتى الى جراحات المخ والاعصاب

على مدار ثلاث ساعات قضيتها الأسبوع الماضي وتحديدا الثلاثاء بقسم جراحات المخ والاعصاب بين العيادات الخارجية وغرف العمليات الجراحية وغرف المرضى التي تتضمن عدة غرف في الطابقين الأول والثاني والتي تمتلئ اسرتها بحالات صحية تثير الشفقة وتتمثل في أمراض المخ.. وحركة لأسرة لنقل حالات من غرف العمليات الى الرعاية المركزة وأخرى تنتقل من الرعاية الى عرف تتراص بها أسرة تفصل الستائر فيما بينها فتمنح الخصوصية لكل مريض.

قسم جراحات المخ والاعصاب بداية من بوابة المستشفى

مداخل قديمة تتوسط مبانى عتيقة يعود تاريخ انشائها لاكثر من ثلاثة أرباع قرن من الزمان وبشهادة العيد الماسى الذى تم الاحتفال به منذ شهور لمرور 75 عاما على انشاء مستشفى جراحات الدمرداش. تمتد الطرقات الى المباني بأرضياتها المتواضعة لتصل بنا في نهاية مبنى العيادات الخارجية لمستشفيات الجراحات بكل تخصصاتها.. من الممر المتواضع الى طرقة بعرض يزيد عن مترين تتراص على الجانبين مقاعد تتمدد الواحها الرخامية على قواطيع تستخدم لجلوس المرضى ومرافقيهم. حالات يتحول أنينها الى أشجان يعزفها ناى الحناجر التي تسكن أبدان موجوعة بإصابات تضرب الجهاز العصبي بدءا من المخ الذي يمثل سنترالا ربانيا يحمل الكثير من الأسرار وصولا الى كل الأطراف. في نهاية الممر الرخامي المزدحم بطوفان البشر تقع في نهاية طريق مجهز حديثًا من شارع يربط بين العباسية ورمسيس على يمين ما تسمى القبة الخضراء وهى قبة لمسجد عتيق أقيم فى مستشفى الدمرداش داخل المدينة الطبية لجامعة عين شمس ومستشفيات عين شمس مسمى يطلق على كل مستشفيات الباطنة بكل تخصصاتها بينما الدمرداش تضم كل مستشفيات الجراحة بكل تخصصاتها أيضًا. حشود من البشر تتدفق عبر الطريق الممهد يحملون او يسندون مرضاهم متجهين بهم حيث تقع العيادات الخارجية ، مرضى من الرجال والنساء يحتلون الطريق ، أوجاع البشر تدفع الأفواه لإصدار أنين وتأوهات.. الجميع ممن يندرجون تحت عنوان عريض وهو الفقر. هنا مستشفيات الغلابه ، هنا أطباء يعملون في ظروف غاية في الصعوبة وسط حشود من المرضى وذويهم ، يتعاملون ، يفحصون ، ويصدرون القرارات ، هذا يخضع للعلاج الدوائى وآخر يحول الى الأقسام الداخلية وثالث يعاد توجيهه الى عيادات أخرى . إنه حال المصريين الذين لا يستطيعون تحمل أكثر من ثمن تذكرة لتوقيع الكشف بما لا يتجاوز 10جنيهات ربما يعجز بعضهم عن تدبيرها نعم.. وهنا يحدث ان يتكفل مرافق لأحد المرضى بثمنها وآخر يوقع الطبيب على إعفاءه منها ، علمًا بأنه من أعضاء هيئة التدريس ، ولم يمن احدهم على مرضاه . كانت العيادات أشبه بخلية نحل ولكل من يقترب منهم يعلم حقيقه واحده.. أنهم في جهاد في سبيل الله.. ليسوا ممن يحصدون مئات الآلاف كما يحدث في مستشفى مثل 57357 التي لا يعنيها إلا أن تضمن كل أنواع الرفاهية لاطبائها بينما في الدمرداش خاصة من الطبقات الفقيرة في ربوع مصر جاءوا من كل فج عميق بعضهم عجزت المستشفيات العامة عن علاجهم ، وبعضهم استفحل المرض حتى غزا أبدانهم ، وكانت آهات المرضى الوافدين مسندين على اكتاف مرافقيهم بطول الطريق الداخلى من البوابة الرئيسية وحتى مداخل العيادات الخارجية حيث كان الوقت صباحًا والتي تعمل من التاسعة وحتى الواحدة ظهرًا بعدها يبدأ عمل الطوارئ وهى للحالات التي لا يمكنها الانتظار لمواعيد العيادات الخارجية. هناك عربات صغيرة كهربائية على ما يبدو تم تدبيرها من جانب إدارة المستشفيات لنقل المرضى من البوابة الى العيادات او الى الطوارئ حيث يمنع دخول السيارات بإعتبار الطرق الداخلية مختنقة بحشود البشر فمن المستحيل ان تتسع للسيارات. مشاهد تثير الشجن والحزن وتجعلك تتفاعل بدافع الرحمة والإنسانية مع تلك الحالات. وصلنا الى نهاية ممر العيادات الخارجية الذى وصلنا له عبر بوابة متواضعة بعرض لا يزيد عن ثلاثة أمتار وانحرفنا يمينا لنولج عبر باب مبنى العيادات بالدور الارضى عبر بضعة سلالم لباب يقل عرضه عن 2 متر ، ربما كانت تصميمات المستشفى تتم لاعداد لا تزيد عن 1% من الاعداد الحالية ، كانت الطرقة والتي تنفرج قليلا عن مساحة المدخل تتراص على جانبيها ألواح جرانيتية حمراء تستخدم لجلوس المرضى ، بينما أبواب العيادات تطل عليك من جانبي الطرقة في نهايتها على اليمين كانت عيادة جراحة المخ والاعصاب . ثلاث مكاتب متواضعة للغاية في أركان ثلاثة بينما في الركن الرابع كانت ستاره من القماش الأخضر تنسدل لتحجب خلفها سريرا للكشف على المرضى ، شباب متدرج العمر ، هذا استاذ مساعد والثاني مدرس والثالث مدرس مساعد ، جميعهم يندرجون تحت أعضاء هيئة التدريس يتولون مراجعة حالات المرضى ، ومناظرة الحالات تتم على مدار اليوم فى جو مشحون وفى ظل إمكانات محدودة .. بينما عملهم العلاجي هو ثمار جهد بحث علمي متواصل. ربما شغلني قسم جراحة المخ والاعصاب بعد متابعتي لحالات كانت اصاباتها بالجلطات في المخ وأخرى أورام برؤوس مثقلة بهموم وازمات وفقر وحالة عوز. رأيت طفلا تحمل كتفيه راس رجل كبير ترتخى على رأس أمه حيث يجلس فوق كتفها وتنساب ساقيه في الهواء برباط من الشاش تلقفه الطبيب وأخذ يفحصه بعناية خففت مداعبة الطبيب للطفل أثناء الفحص من بكائه ، عرفت أنه يراجع جراحة اجراها له سابقًا ربما كانت استئصال ورم به. سألت نفسى ما حال هذه السيدة ووليدها إن لم يكن هناك مستشفى تستقبل وتعالج وفى ظروف حياتية صعبة للغاية يعمل فيها الأطباء وأطقم التمريض.. ماذا لو لجأت الام الى مستشفي خاص في ظل عشوائيات الصحة التي تحولت الى بيزنس وسمسره وكل شيء سيئ لحصاد الملايين وأخرى تتبارى في جمع التبرعات تحت عناوين عريضة تبثها كل وسائل الاعلام ليل نهار مقابل الحصول على مئات الملايين من الجنيهات تُدفع من اموال التبرعات التي تتلقاها لتتحول الى مليارات كلها أموال زكاه وصدقات. قلت كيف كان حال فقراء مصر عندما يمرضون إن لم يكن هناك الدمرداش وجراحة المخ والاعصاب.. وغيرها من المستشفيات الجامعية التي يعمل فيها علماء للعلم والبحث العلمى وليس لاوهام يسوقها الاعلان مقابل مئات الملايين؟ usamadwd@yahoo.com

أقرأ ايضاً 

أسامة داود يكتب: قسم جراحات أورام المخ بعين شمس يحتاج إلى دعمكم

أسامة داود يواصل الكتابة : جرائم ضد مرضى التأمين .. والفاعل سرير ( 2 )

 أسامة داود يكتب بالمستندات : رئيس التأمين الصحي فى خصومة مع الإنسانية

أسامة داود يكتب : مرضي يحالون لقوائم الموت بزعم خروج أدوية علاجهم من القائمة (1)

أسامة داود يكتب : رئيس التأمين الصحى يتحدى المرضى ( 2 )

أسامة داود يكتب عن : إسماعيل سلام وزير صحة الغلابة ( 1 )

أسامة داود يكتب: معهد ناصر.. علاج 5نجوم للغلابة فى مصر (2)

أسامة داود يكتب:حكاية سطو وزراء البيزنس على معهد ناصر ( 4 )

أسامة داود يكتب: لم يعد فى قوس الصبر منزع.. لماذا يتجاهل رئيس التأمين الصحى رسائل الاستغاثة لمرضى يشرفون على الموت؟

أسامة داود يكتب: عوض تاج الدين والتصدي لمافيا الأغذية الفاسدة

أسامة داود يكتب: عشوائيات الصحة تبتلع مهنة الطب!!

أسامة داود يكتب : نار كورونا و لا جنة المستشفيات الخاصة

أسامة داود يكتب : عشماوي في التأمين الصحي

أسامة داود يكتب: رحلة حزن فى معهد ناصر